3‏/4‏/2009

هل يمكن إنقاذ المشروع؟ ... احتفاليات متصادمة لـ«القدس عاصمة للثقافة العربية»


هل يحتاج المتابع ذكاءً خاصًا ليدرك حجم الورطة والمعضلات التي وقعت بها "القدس عاصمة للثقافة العربية 2009"؟ فقبل أن نتحدّث عن الوقائع اللوجستية والمالية الغامضة فيما يخص المشروع، نقف أمام واقعة مركبة؛ وهي وجود ثلاث احتفاليات للقدس عاصمة للثقافة: احتفالية حركة حماس التي ستفتتح في السابع من آذار الجاري، احتفالية السلطة في الـ21 منه، واحتفالية الحملة الأهلية خارج فلسطين في الـ30 من آذار. تُفتتح ثلاثتها بتأخير ثلاثة شهور لا زالت غارقة في دماء أبناء غزة كانت الذريعة لتأخير الافتتاح.
الطريقة التي تتم بها إدارة الفعالية نالت نقدًا كثيرًا ولا سيما من الكتاب والمثقفين المقدسيين، الكاتب محمود شقير لا يرى المشكلة في التأخير الأخير: "أنا أتفهم مسألة تأجيل الافتتاح، فقد تم بسبب الحرب الإسرائيلية الهمجية على شعبنا في قطاع غزة. فهو هنا مبرر وضروري ومفهوم. غير أنني أبديت تحفظاً على تشكيل اللجنة العليا للاحتفالية". أما الشاعر نجوان درويش فيذهب أبعد من ذلك حين يقول إن "مسألة القدس عاصمة للثقافة العربية تعكس خللاً بنيويًا في النظام السياسي الفلسطيني والعربي وتحديدًا في مسألة التعامل مع قضية القدس. وعلينا أن نعترف ونحن في الشهر الثالث من سنة 2009 أن المشروع قد فشل عملياً للأسف". ويرى درويش "أن الخلل كان منذ البداية باتخاذ قرار اختيار القدس ارتجالاً ودون دراسة واستعداد. وأن سنتان مرتا منذ الإعلان عن القدس 2009 دون إنجاز ملموس، ولا نجد سوى تخبطات واستقالات وعجز جماعي من قبل القائمين على المشروع وتصريحات بلا رصيد للإعلام". ويحمّل نجوان درويش "مسؤولية الفشل" لـ" الجهات الفلسطينية القائمة على "القدس 2009" التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الكفاءة اللازمة، فهي احتكرت المبادرة وساهمت مع الاحتلال في إحباطها وفوّتت فرصة تاريخية كان يمكن أن تقدم شيئاً للقدس لو أحسن التعامل معها ولو اتخذنا الموقف والآليات المناسبة في وقت مبكّر". كان من الواضح أن اللجنة العليا والمكتب التنفيذي ومن حولهما عالقون في معمعة الاستقالات والإقالات وسوء الإدارة وانعدام العمل المشترك بين الشعب الفلسطيني مقطع الأوصال. ولكن ما الذي يمنعهم من الإتيان بالذرائع والتوضيحات للمواطن الفلسطيني الذي لا يعرف أصلا "مواعيد" افتتاحية القدس؟ يقول إٍسماعيل تلاوي، أمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم ورئيس لجنة التنسيق الفلسطينية العربية لاحتفالية القدس: "إن اللجنة الوطنية العليا تمكنت حتى الآن من تحقيق انجازات كبيرة على الرغم من عائقين؛ أولهما يتمثل بسلطات الاحتلال التي تحول دون إقامة أي نشاط ثقافي تحت مظلة القدس عاصمة الثقافة، كما فعلت خلال فعالية انطلاق شعار الاحتفالية واعتقلت عددًا من القائمين على النشاط. والثاني هو العائق المادي؛ فجميع المؤتمرات العربية على مستوى وزارات الثقافة أقرّت تقديم الدعم المادي للاحتفالية ولكن للأسف لم نتلق شيئًا حتى اللحظة".


اللجنة ومسلسل الاستقالات

ورغم تفهم المثقف الفلسطيني للمعضلات التي تواجه الاحتفالية، إلا أنّ القائمين عليها لم يعمموا بيانات أو تقارير توضح ما يحصل (بعيدًا عن الاحتلال). فما الذي يمنعهم من إماطة اللثام عن الأسباب الحقيقية لانسحاب الراحل درويش من رئاسة اللجنة، ومن ثم استقالة حنان عشراوي، وبعدها تعيين أبو مازن المفاجئ رئيسًا للجنة العليا، دون تقديم أي مبررات لذلك؟ وطالت الاستقالات المكتب التنفيذي للمشروع فتعاقب ثلاث مدراء على رئاسته في أقل من عام ونصف. وعنها يعقّب السيّد تلاوي: "من الظلم أن يقال ذلك، هناك لغط ولبس ونقل غير دقيق لما سمي بالاستقالات. فمحمود درويش ترأس اللجنة الوطنية ولم يعتذر مطلقًا، ولكن مرضه حال دون استمراره في العمل، أما حنان عشراوي فقد كُلّفت مؤقتًا بتولي المنصب ولكنها تغيّبت لأكثر من شهرين في الولايات المتحدة". أما في ما يتعلق بالحديث عن استقالة باسم المصري فيرد: "استمر المكتب التنفيذي في العمل برئاسة باسم المصري إلى أن تم اعتقاله في فعالية انطلاق شعار الاحتفالية في القدس، غادر على إثره إلى الأردن حيث منع من العودة إلى فلسطين لأكثر من ثلاثة شهور". ولكن ما يجري تداوله هنا يقول أن مصري استقال لأسباب أخرى، قريبة من أسباب استقالة أحمد داري الذي استقال مؤخرًا مع مجموعة من أعضاء المكتب التنفيذي للفعالية.
أما فيما يتعلّق بالتشكيلة الداخلية للجنة الوطنية العليا واللجان المتفرعة عنها، فجرى الحديث عن استثناء أسماء مهمة ووجود أخرى لا علاقة لها بالشأن الثقافي. فيصف الكاتب شقير تشكيل اللجنة قائلا: "أنا لا أتحدث عن الأشخاص ولا أقلل من قيمة أحد منهم، وإنما أتحدث عن الكفاءة المهنية وعن علاقتهم بالثقافة وهمومها. فقد تم تجاهل عدد من المثقفين الفلسطينيين المعروفين في القدس وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي ما وراء الخط الأخضر والشتات، لسبب غير مفهوم. وبالطبع، لا يمكن أن يتمثل في اللجنة كل مثقف وكاتب. هذا أمر مفهوم، إنما كان النقص في التمثيل واضحاً، ولم يكن ممكناً التستر عليه". في حين يرى الشاعر درويش أن سوء التمثيل ليس فقط في تغييب أسماء ثقافية من الشتات ومن فلسطين 1948 واقتصار اللجنة على لون سياسي واحد، وإنما في وجود بعض الأسماء المحسوبة على تيار الأسرلة وبعض من تحفل سجلاتهم بسوء الإدارة في هذه اللجنة". في حين تؤكد لجنة التنسيق الفلسطينية العربية على توقيعها العديد من العقود مع المؤسسات والمراكز والمثقفين الفلسطينيين في القطاع والقدس ومناطق الـ48 للشروع بتنفيذ البرنامج، وأن الاحتفالية ستنطلق في الـ21 من آذار من خمس مناطق في آن؛ وهي القدس، بيت لحم، الناصرة، غزة، ومخيم برج البراجنة في لبنان".
ولكن كيف نفسّر، إذن، وجود ثلاث احتفاليات إن كانت الاحتفالية الرسمية التي أقرتها السلطة قد مثلت الجميع كما تحاول أن تتصرّف؟ "لا يجوز أن تتصل وزارة عاملة بوزارة مستقيلة، نحن لا نكرس الانقسام" تبرر وزيرة الثقافة في رام الله عدم اتصالها بوزارة الثقافة في غزة، علمًا بأن وزير الثقافة في حماس، عطا الله أبو السبح، هو من اقترح اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 في اجتماع وزراء الثقافة العرب في أيلول 2006. وبالمقابل هناك من يعتبر المشروع الثقافي أرضًا خصبة لإصدار الفتاوى كحظر دخول غزة أي نشاط ممول من رام الله! إذن كيف سيدخل القطاع دائرة التنسيق في ظل التمزق الجغرافي والحصار المفروضين إسرائيليًا؟! ولم لم يتم إشراك فلسطينيي الـ48 في هذه الدائرة، اللهم إلا من إشراك بعضهم في بعض النشاطات من باب رفع العتب، هؤلاء الذين اسقطوا طويلا من توجهات السلطة الثقافية والسياسية معًا.


ميزانيات وتحديات.. هل الإنقاذ ممكن؟


يبدو أن الثغرات المتراكمة على مشروع القدس لم تتوقف عند احتكار هنا وإقصاء هناك، لا بل تأزمت في الحديث عن الدولارات المرصودة لتمويله، مصادرها، واستخدامها لمصلحة المشروع أو لغيره. فجهة احتفالية واحدة "من الثلاث" أعلنت عن ثلاثة مبالغ مختلفة؛ حيث أكد رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة أن المبلغ المرصود هو 20 مليون دولار، فيما أعلنت وزيرة الثقافة عن أن المشروع يحتاج إلى 50 مليون دولار. أما مديرة المكتب التنفيذي فتقول أن 8 ملايين تبدو كافية! في حين تكرّس حكومة حماس مليون واحد للاحتفالية في غزة.
لعلّ الواقفين وراء احتفالية القدس عاصمة للثقافة 2009، أو الاحتفاليات في حال لم يتحد الفرقاء، يقفون أمام تحديات عدة في مقدمتها إنقاذ المشروع بحيث يقدَّم بصورة ترتقي إلى مكانة القدس من العواصم العربية بعيدًا عن النهج التصفوي والأسقف السياسية الواطئة. "يمكن لمن ارتكبوا الأخطاء أثناء التحضير لهذه الاحتفالية أن يصوبوا ما ارتكبوه من أخطاء، فثمة عام طويل من العمل الثقافي المرجو في المدينة ومن حولها" يقول محمود شقير. أما نجوان درويش فيرى أن "المدن الأوروبية التي لديها بنية تحتية ثقافية ممتازة، تبدأ تحضيرات احتفالاتها باختيارها عواصم للثقافة الأوروبية قبل عشر سنوات على الأقل، عام 2005 زرت بلدية قرطبة في إسبانيا مع مجموعة من الكتاب الفلسطينيين، وأطلعونا على تحضيراتهم لمشروع قرطبة عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2015، وقدموا لنا مجموعة من المطبوعات الخاصة بقرطبة 2015. فكيف سنتدارك نحن غياب التحضير في أشهر قليلة ولدينا احتلال يقف بالمرصاد والمدينة معزولة وتكاد تكون بلا بنية تحتية ثقافية". المثقفون الفلسطينيون ما زالوا رغم هذه المعطيات ينظرون إلى المشروع بمزيج من الواقعية والمثالية؛ فهم يدركون تماماً حجم الصعوبات المتمثلة في الاحتلال، ولكنهم يدركون أيضا أنّ المسؤولية لا تقع على عاتق الاحتلال وحده، وخصوصاً في حال ما أخفق مشروع "القدس عاصمة للثقافة العربية".


* عن الحياة اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق