12‏/11‏/2011

أسماء عزايزة... ذاكرة سمكة



رشا حلوة

عكّا | قررت أسماء عزايزة (1985) أن تمنح مجموعتها الشعرية الأولى عنوان «ليوا» (دار الأهلية/ عمّان)، الحاصلة على جائزة الكاتب الشاب في حقل الشعر ضمن مسابقة «الكاتب الشاب» (2010) لـ«مؤسسة عبد المحسن القطان» في رام الله المحتلة. و«لِيوا» هي العبارة التي يستخدمها صيادو عكّا، عند انتشال الشباك من الماء، فيقولون: «لِيوا شباك».
«لِيوا» أيضاً هو اسم الباب الأول في مجموعة عزايزة... وهي بالنسبة إلى الشاعرة مرحلة انتقال السمك من الحياة إلى الموت، من المياه إلى البرّ. إنّها تعبير مجازي عن حالة السفر الجسدي والنفسي. تتحوّل الأسماك هنا إلى تعبير عن الذاكرة الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني منذ نكبته، أو كما يقول المثل: «ذاكرته مثل السمكة».
تكتب عزايزة عن ارتباط السفر/ التهجير بالذاكرة: «الآن، لا بحر لتغني شباك الصيد عند السفر/ الآن، تموت الأسماك في الصُرر/ ولا تموت الذاكرة». تقدّم الشاعرة الشابة القصائد القصيرة، محمّلة بفلسفة مستوحاة من الأمثال الشعبية، إضافة إلى رومانسية غامضة. اللافت، أنّ ابنة قرية الدبورية (الجليل) تستخدم كلمات عبريّة في بعض قصائدها، كما في قصيدة «في وادي الصليب» (وهو اسم لحيّ في حيفا هُجر في النكبة)؛ ««أرتسي»/ «زو أرتسي»؛ أولادٌ يتدربون على نطقها/ وهم يفكون أخشاب الصليب ويلقونها/ نحو الغرب». في هذه القصيدة تنقل صورة عن بيت مهجور كُتب على إحدى جدرانه باللغة العبرية «زو أرتسي»، أي «هذه أرضي»، في حيّ «وادي الصليب»، وهو الشاهد الأكبر على ما حلّ بفلسطين منذ النكبة.
تحضر تيمة السفر بقوّة في قصائد عزايزة. تكتب قصيدة بعنوان «بايرويت»، على اسم مدينة ألمانية أمضت فيها شاعرتنا شهرين، إذ تأثرت بالمدينة، وبشخصية الموسيقي الشهير فاغنر الذي أقام فيها وترك بصمات واضحة على ذاكرتها. تأتي قصائدها مشحونة بصور من أسفارها، كما في «حُلم في برلين» أو في قصيدة «براغ»: «شممتُ رائحة أربعين عاماً تُحلّق فوق حاضرٍ/ تحوم/ يمشي على رؤوس أصابعه،/ شممت فودكا مشبَّعةً بالرصاص». أثر الأدب والموروث العالمي حاضر عموماً في الديوان، كما في قصيدة «دفتر شكسبير»: «أقتحمُ غرفته وأسرق طيف أبي هاملت/ أضع صوته الشبحيّ في جيبي».
تختتم عزايزة باكورتها بقصيدة «تركتُ العنوان في السمكة»، لتعود إلى محور كتابها الأساسي وهو الذاكرة الفردية والجماعية. ««تملكُ ذاكرة سمكة»؛/ هكذا جاء في شهادة الميلاد./ ربما جعلتُ ذاكرتي تنزلق، خطأً،/ نحو ماء النهر./ وربما كان ماء النهر بارداً كالرخام/ فجمّد الذاكرة غذاءً/ للسمكة الوحيدة./ نسيتْ السمكة أن في أحشائها/أنا/ ونسيتُ انزلاقي».

15‏/10‏/2011

وتلك صفورية قبل أن يغادرها النواح



قبل ثلاث سنوات، خرج الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 48 في مسيرتهم السنوية في ذكرى النكبة، مشاة إلى قرية صفورية المهجرة. هذه القرية التي لم يتبق منها سوى نبع صغير وأكوام من حجارة بيوتها المهدمة، وغطتها الأشجار الحرجية وبلدة "تسيبوري" الإسرائيلية، وجد فيها الفلسطينيون عام 2008 مساحةً صغيرة لكي يحييوا ذكرى النكبة، أو، هو طقس يشبه "العودة". "عاد" كثيرون تحت هذا الشعار/ الاستعارة، إلا أن ابنها، "الولد الحافي"، الشاعر طه محمد علي، ظل يصارع الهرم والمرض في بيته، ولم يتمكن حتى من الحضور والجلوس على المنصة لإلقاء قصيدة على أرض قريته المهجرة.
ثمة شعراء "لاجئون" عاشوا النكبة والتهجير وكتبوا ما ظلّ فيهم من قراهم المهجرة أو ما صنعته مخيلتهم عنها؛ فتراوح شعرهم بين سرد الرواية/ الذاكرة الفعلية وبين الاستعانة بالمخيلة لإكمال مشهد شخصيّ وضبابيّ منقوص، لدى أولئك الذين هُجروا من قراهم أطفالاً. طه محمد علي هُجر من قرية صفورية وقد قارب على العشرين عامًا من العمر، حاملا ذاكرةً حافلة بالتفاصيل والأصوات والمشاهد، ولكنها في ذات الوقت محفوفة بالحزن والفقد والغضب. وليس هنالك من شك بأنه وظّف هذه الذاكرة الناضجة توظيفًا "صوريًا" و"موضوعيًا" في كتابته. يضاف إلى هذا الحظ/ القدر موهبة فذّة في نظرته إلى الشعر وصياغة القصيدة، وذكاء فتيّ في انفتاح الأخيرة على شكل ولغة حديثة وبسيطة وغير متكلّفة؛ هي لغة حياته اليومية.
إن هذا ما يجعل وضع الشاعر على لائحة أهم شعراء القرن العشرين في موسوعات الشعر الحديث ليس بالشيء المفاجئ. والمفارقة الملحوظة بين تميزه والشهرة التي حظي بها تُعزى إلى نشره المتأخر والمنحصر في فلسطين؛ في مدن كحيفا وأم الفحم وغيرها، وبهذا كان معروفًا على نطاق ضيق في العالم العربي. ولكن هذه "الشهرة" المنقوصة لم يسببها النشر أو التوزيع ضيق النطاق فحسب، إنما انشغال الشاعر بنفسه وصوته، وبغرفة مكتبته المغبرَّة التي لم يطأها منذ وقت طويل بسبب مرضه وهرمه. وقد يكون الإنشغال الأكبر، والذي لم ينقطع حتى بانقطاعه عن الكتابة والقراءة، هو من نصيب "صفورية"- قريته المهجرة. هذا ما كان واضحًا لزائريه في الأشهر الأخيرة، وأنا منهم، أولئك الذين لم يسمع حديثهم ولم ينبس أمامهم بكلمة إلا حين جاءوا على ذكر قريته، خارجًا من غيبوبته، ناهضًا من غرقه بأسئلة الحياة والموت، قائلاً: "مالها صفورية؟" الآن، وبعد أن فارق حياته وقريته وشعره وهواجسه؛ سيظل حلم العودة إلى القرية حيّا في أبنائها الأحياء، ولكن من سيسأل، غيره، غير "نوَاح" صفورية، سؤال الولد عن فناء البيت والجارة وسؤال الفلاح عن البيادر والشمس في قصيدةٍ حديثه وينقلها إلى العالم؟
عن موقع قديتا.نت

29‏/9‏/2011

طحين



فكرة الشاعر
رغيفٌ طازجٌ وشهيّ

تعطلت أفراني
مذ رأيت الشعراء
يُفسدون عند الليل
طحينهم.

اللوحة للفنان منذر جوابرة

30‏/8‏/2011

الوقت


الغولُ الذي صنعَته جدتي برفقٍ
ورافقني كلّ ليلةٍ إلى غرفة نومي
أصبح الآن رجلا بالغًا.
هو نفسه الذي يرهِّلُ الآن بيديه
جبهة أمي البيضاء
ويبخِّرُ الزيت في راحتيها
أمي لم تصنع غيلانًا جددًا لنا
وجدتي لم تفعل هي الأخرى،
بعد أن رقدت مُطفأةً في سريرها،
إلا أن غولها الذي صنعته
ينجب أبناءً وراء الباب.
** اللوحة للفنان منذر جوابرة

25‏/5‏/2011

مَقعدُ إيليَّا[1]



لو أني لم أُطرد من بيت إيليّا
وأُجبر على ترك مقعده البارد فجأةً

لو أني واصلت جرَّ قمره الممتلئ
إلى حضن الجبل

لكنت راقبت جيوشه الطالعة من البحر
تجر أساطيله النيئة
وتغير وجهتها من أورشليم إلى دمشق
لكنت شاهدت رفاقه الأنبياء وهم يفتشون
عن خرائطَ ومعجزاتٍ في بطون الأسماك

أيُّ زمن سيحمل انتظاري الطويل هذا؟
أيُّ مقعد سيتركه لي أولاده
- أولاد إلياهو الطيِّعون-
لأشهد فكَّ الخرائط؟
أو لأكون فقط مجرَّد يدٍ تجرُّ قمرًا
لليلةٍ أخرى؟



[1] النبي إيليا أو إلياهو، حسب اليهودية/ القديس مار الياس، حسب المسيحية/ الخضر، حسب الإسلام. والمقعد المذكور موجود على جبل الكرمل في حيفا قرب الكنيسة التي تحمل اسمه- "كنيسة مار الياس".

26‏/4‏/2011

Palestine Festival of Literature 2011




The fourth Palestine Festival of Literature (PalFest) is announced today. Taking place from 15 - 20 April 2011 it will travel to Jerusalem, Nazareth,
Nablus, Jenin, Bethlehem, Ramallah, al-Khalil/Hebron and Silwan.

A host of award-winning international authors, poets and journalists will participate in this year's festival including the Man Booker Prize longlisted author Mohammed Hanif; Pulitzer Prize-winning journalist, novelist and critic Lorraine Adams; American novelist and Oscar-nominated screenwriter Richard Price; British journalist, writer and broadcaster John McCarthy; British biographer, critic and journalist Anne Chisholm.
Chair and founder of PalFest, Ahdaf Soueif says: "At a time when the spectacular push for freedom in the Arab world is capturing the world's attention, it is particularly important for PalFest to continue to travel to its audiences, imprisoned behind checkpoints; to work with its bookseller, threatened with deportation, and to forge creative links between Palestine and the world."
Meeting the international participants in Palestine will be architect and novelist Suad Amiry, lawyer and author Raja Shehadeh, poet and editor Najwan Darwish, poet and television presenter Asmaa Azaizeh, writer and historian Bassem Ra'ad, editor and poet Tariq Hamdan, novelist and translator Ala Hlehel, and novelist and newspaper editor Akram Musallem, writer and singer Tania Nasser and composer Rima Tarazi.
Also taking part this year are leading lights from the world of UK publishing and media including: award-winning journalist and author Gary Younge, writer and broadcaster Bidisha; Director of Jewish Book Week Geraldine D'Amico; Peter Florence, Director of the Hay Festivals Group and Ursula Owen, Founder of the Free Word Centre, former Editor and CEO of Index on Censorship and Founder director of Virago.
Palestinian writer and architect Suad Amiry says:
"What more do Palestine and the Palestinians need than breaking the isolation created by the Israeli Occupation for the last 44 years? Ahdaf Soueif's positive thinking and energy created PalFest which annually takes writers to Palestine. To live at first hand is what all good writing needs - and that is what Palfest is all about."
PalFest 2011 participant Peter Florence says:
"PalFest is one of the most important festivals in the world. It plays an extraordinary role in telling truths that aren't heard. It strips the whole festival fandango to its core: writers and readers and stories and being together."
PalFest affirms the equal weight of English and Arabic speaking cultures. It is committed to providing a two-way experience for all its participants, audiences and authors, students and speakers. It's the Festival where everyone performs, everyone gives and everyone gets.
To that end, PalFest will be working with more than twenty Palestinian organisations to help deliver this year's Festival. The principal partners are The British Council, the Open Society, the A.M. Qattan Foundation and Riwaq as well as a number of private donors.
PalFest's inaugural festival was held in 2008 reaching audiences of thousands in Jerusalem, Ramallah and Bethlehem. Because of the difficulties faced by Palestinians trying to travel in their country under military occupation, PalFest travels to different cities and will once again embark on a tour of the West Bank - taking in Jerusalem, Nablus, Nazareth, Jenin, Bethlehem, Ramallah, al-Khalil/Hebron and Silwan.

22‏/2‏/2011

النشر الإلكتروني: ثورة أم هدية مسمومة؟


قبل شهرين، شهد الـ«فايسبوك» ولادة أول رواية عربية كاملة. هل هي فاتحة تقاليد أدبيّة جديدة في العالم العربي خلال المستقبل القريب؟ هنا آراء بعض الكتّاب والناشرين.
رنا حايك
منذ عقد ونيّف، حملت الألفية الجديدة هديةً للشباب العربي. عالم افتراضي تجاوز الخطوط الحمر التي فرضتها أنظمتهم، ومتنفس بعيد عن مقص الرقيب، ومنابر إعلامية تستعصي على كل أشكال الاحتكار، وتتجاوز حدود نفوذ الناشرين. هكذا في مرحلة أولى، انكبّ آلاف الشباب من المحيط إلى الخليج على مناقشة المحظور في فضاءات منتديات كثيرة، نذكر بينها «مدن» و«شبكة اللادينيين العرب»، على سبيل المثال لا الحصر. تلك المساحات الافتراضية «المحرّرة»، اقتحمها الجيل الجديد الباحث عن مكانه في عالم جديد، ليناقش قضايا مفخّخة: من قيود الأنظمة السياسية وسلطة الحاكم المطلق التي يرزحون تحتها، إلى القضايا الروحيّة والثقافيّة والسياسيّة والوجوديّة، وفي طليعتها وضع المرأة العربيّة مثلاً، أو ظاهرة العودة إلى الدين، وتجليّاته الجديدة الصاعقة التي يميل بعضهم إلى ربطها بمظاهر التخلف والإرهاب، مروراً بالقضايا الاجتماعية.
كان الوقت لا يزال مبكراً لنشر الشعر الذي ظلّ ينساب بنغماته الخافتة في عتمة المقاهي، وعلى صفحات كتب يتناتشها الأصدقاء. المسكوت عنه كان كثيراً، وقد احتلّ الأولوية في مجال البوح، واستلزم سنوات لتفريغ شحناته الغاضبة والمكبوتة. بعد ذلك، بدأ وهج المنتديات يخفّ تدريجاً، لينتقل الزخم إلى المدوّنات. مع كلّ تطوّر تكنولوجي، كانت تبرز نبرة جديدة في الكتابة التي اكتست هذه المرة حلة أكثر شخصانية في الشكل وفي المضمون: بدل الأسماء المستعارة المستخدمة في معظم الأحيان في المنتديات لـ«ضرورات أمنية» تتعلق بخطورة المادة السجالية الدائرة فيها، اتّجه الشباب نحو إنشاء مدوّنات حملت أسماءهم الحقيقية، ونقلت النقاش من العام إلى الخاص، فيما حرّرت الكاتب من الالتزام بموضوع النقاش أو بشروطه. في المدوّنة، أتيحت فرصة التجريب لشباب يحلمون بالكتابة، فزادت جرعة الأدب (والحكي في بعض الأحيان)، كذلك أتاحت طبيعة الوسيلة المستخدمة للنشر المزيد من الحرية في اللغة، لتنشئ لغة خاصة بالمدونات، لُقِّحت فيها اللغة الفصحى باللهجات العربية المحكية. حالياً، تراجع التدوين، ولو نسبياً، أمام نجم العالم الافتراضي، موقع «فايسبوك» الذي يوفّر رقعة انتشار أوسع. في هذه الشبكة الاجتماعية الأوسع، يتاح للائحة طويلة من الأصدقاء ومن أصدقاء الأصدقاء- وهكذا وصولاً إلى قرّاء بعيدين- قراءة النص المنشور.
«أجوّف سروة/ وأقف مكانها في الريح/ بعد قليل، سيصلني أنّ قطارك تأخر/ بسبب سرو هوى على السكّة!» تطول تعليقات الأصدقاء المعجبين في أسفل هذه القصيدة القصيرة المنشورة على صفحة «فايسبوك» الخاصة بالشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة التي نالت منذ فترة «جائزة مؤسسة القطان للكتاب الشباب». تنال قصيدتها «زو أرتسي»، أي «هذه أرضي» باللغة العبرية، الإعجاب ذاته: «أولادٌ يتدربون على نطقها/ وهم يفكون أخشاب الصليب ويلقونها نحو الغرب/ «زو أرتسي» ثم يتعلمون كتابتها على الجدران وهم يدقون المسامير العوجاء/ دون أن ينتبهوا/ في رؤوسهم/ في قعر البحر/ هناك أسماكٌ تأكل الأخشاب وتبيض ذاكرةً جديدة».
هكذا، بعدما كان القارئ يقصد في مرحلة أولى المكتبة لشراء كتاب شعر جديد، أو يتبادل كنوز الكتب مع أصدقائه، ثم أصبح في مرحلة ثانية، يقصد المدوّنة للإطلاع على الإصدار الجديد لكاتب يعرفه، أصبح حالياً يلج إلى صفحته الخاصة على «فايسبوك» لقراءة الجديد المنشور. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشاعرة اللبنانيّة سوزان عليوان، كانت من أوائل الذين انتبهوا إلى الإمكانات التي يفتحها العالم الافتراضي أمام القصيدة، فراحت منذ عقد تنشر إنتاجها على موقعها الخاص (قبل المدوّنات والشبكة الاجتماعيّة)... وكانت قصائدها قد انتشرت على أوسع نطاق، على نحو مدهش.
إلى أين قد يصل ذلك الخط التصاعدي في اختزال طقس الذهاب نحو النص؟ وهل يعني ذلك أن الكتّاب والشعراء قد فقدوا اهتمامهم بالنشر الورقي؟ ما هي ميزة النشر الافتراضي على ذلك الورقي؟ وماذا عن حقوق الملكية الفكرية في هذا الإطار؟
«الـ«فايسبوك» مجرد مساحة إضافية، واستغلالها أو عدمه ليس بالأمر المصيري. إلا أن هذه المساحة قد تتميّز بقيم مختلفة قليلاً كالسرعة في النشر وردود الفعل الفورية والتفاعل المباشر مع القارئ، إضافة إلى ميزة أساسية هي وصول النص إلى متصفح غير القارئ المتوقّع، يقع عليه من طريق المصادفة وهو يُقلّب صفحات أصدقائه. لكنه قد لا يقتنيه من مكتبة»، تقول أسماء عزايزة. رأي يوافق عليه الشاعر اللبناني الشاب علي زراقط الذي يرى أن النشر الافتراضي فرصة انتشار واسعة، ولا يرى ضرراً من أن يحل هذا النوع من النشر محل الكتاب «الذي هو في النهاية سلعة لا تأتي لناشرها بمردود مادي في جميع الأحوال».
إلا أن الشاعرة الفلسطينية تعترف بأن النشر الكلاسيكي يظل الأساس، إذ «يعيد للنص اعتباره ويسلم الكاتب إزاءه من استحقاقات الكتابة. أما في مصنع «فايسبوك» الضاج، في هذه الآلة الضخمة، فإنّ كل شيء يُطحن طحناً من النصوص والصور والفيديوات إلى البشر والنصوص». إلا أنّ النشر الافتراضي يتمتّع بميزة عملانية استثنائية بالنسبة إلى الداخل الفلسطيني.
أسماء عزايزة التي ترجّح وجود «علاقة جدلية بين النشر الافتراضي وتقلّص جمهور مشتري الكتاب»، تعترف للنشر الافتراضي بقيمة ليس بمقدور الورق اكتسابها، كالقدرة على تجاوز القانون. فـ«إذا مُنع كتاب في دولة عربية، يستطيع مواطنوها قراءته عبر الإنترنت. وإن مُنعتُ أنا شخصياً- وفق قانون الاحتلال الإسرائيلي- من قراءة كتاب صادر في بيروت أو دمشق أو أي دولة عربيّة، فإنني بالتأكيد أستطيع قراءتها إلكترونياً. الصحف والمجلات والملاحق الثقافية الفلسطينية- بسبب وتيرة طباعتها السريعة- يتعذر دخولها إلى العالم العربي، والعكس صحيح، أي إنّ المجلات العربية لا تجد طريقها إلى الداخل المحتل. وهنا تحديداً، تتجلى أهمية النشر الإلكتروني».
الالتفاف على قوانين المنظومة الرسمية- أكانت محتلاً، أو نظاماً محلياً قمعياً أو حتى آلية تعتمدها دور النشر بشروط خاصة استنسابية- هو ما دفع الروائي المصري نائل الطوخي إلى استحداث مدونة «هكذا تحدث كوهين» (hkzathdthcohen.blogspot.com) التي ينشر فيها ترجماته عن الأدب العبري، بعدما «حاولتُ نشر ترجماتي في الكثير من الصفحات الثقافية، لكنني اصطدمت بتوجسها من أن يُحسَب نشر تلك المادة عليها نوعاً من الترويج لثقافة العدو» كما يقول. لكنّ الطوخي يبدي تفهّمه للجانب الحساس والمشروع في هذه القضية، وخصوصاً في ظل ضرورة الحصول على الحقوق الأدبية من ناشرين وأدباء إسرائيليين في حالة النشر. طبعاً الهدف هنا تسليط الضوء على التجربة، ولا مجال لمناقشتها تفصيلاً، لكنّ المترجم الشاب (1978) يؤكد أنّ مدونته ليست ركضاً مراهقاً وراء الموضة «التطبيعيّة»... بل سعي إلى التركيز على معرفة الآخر- ولو كان عدواً- من خلال إنتاجه الأدبي».
تبدو المساحة الحرة العابرة لقوانين الأنظمة والحدود ومعايير النشر، خياراً بديلاً، أو حتى مكملاً بالنسبة إلى كثير من الكتاب والشعراء. هكذا، يجدها الشاعر التونسي عبد الوهاب الملوح (1961) «مكملاً أساسياً للنشر الورقي، وخصوصاً في وضعنا العربي البائس جداً، من حيث توزيع الكتب وقوانين مصادرة النشر التي ما زالت تتحكّم بجميع البلدان العربية». مع ذلك، يرى الشاعر والكاتب الذي يبلغ رصيده الأدبي حتى الآن سبعة إصدارات أدبية، آخرها «الليل دائماً وحده» (دار النهضة- 2010)، أن «النشر على الإنترنت هو بمثابة عملية باردة لا مذاق لها، بينما يظل النشر الورقي حقيقة فعلية تتميّز بمهابتها وقيمتها وطعمها». الإنترنت برأي الملوح «يضمن نسبة انتشار، لكنها آنية... لأنّ المتصفح سرعان ما سينسى لأن قراءته للعمل تظل عرضية، وخصوصاً أنّ كثيرين فقدوا ثقتهم بما يُنشَر من نصوص إبداعية على الإنترنت، على اعتبار أنّها مساحة مفتوحة لمن هب ودب، والنشر فيها مسألة كم، لا كيف».
ويتنبّأ الشاعر التونسي بـ«موتيفات افتراضية جديدة أخرى ستقلّص التهافت على «فايسبوك»، كما سبق أن فعلت مع الـ«ماسنجر» والـ«سكايب» ووسائط نشر أخرى، فيما يظل الكتاب صامداً رغم مرور قرون عليه». من هذا المنطلق يمتنع عبد الوهاب الملوح عن نشر قصائده افتراضياً، إلا بعد صدورها ورقياً، وخصوصاً أنّ المساحة الافتراضية لا تحمي من قرصنة النصوص ولا تخضع لقوانين حماية الملكية الفكرية. بدورها لا تنشر الشاعرة السعودية مريم عبد الله قصائدها على الإنترنت قبل صدورها ورقيّاً، لأن «النشر الورقي يظل هو المرجع». الكاتب «لا يحصل على اعتراف إلا إذا نشر ورقياً». كذلك فإنّ «سهولة النشر على الإنترنت أتاحت لكل من هب ودب أن ينشر هرطقاته من دون أي ضوابط، وأن يعدّ نفسه شاعراً أو كاتباً».
من الطبيعي أن يوفّر النشر الافتراضي انتشاراً أوسع، لكن يظلّ السؤال: إلى أي مدى يكون هذا الانتشار حقيقياً؟ وهل تعكس هذه الحالة الثقافية الإلكترونية الواقع الثقافي لمجتمعاتنا؟ «الإجابة مرهونة بمرور الوقت» تقول سمر عبد الجابر. الشاعرة الفلسطينية التي أصدرت حتى الآن ديواناً واحداً هو «وفي رواية أخرى» («دار ملامح» و«منشورات إكس أو»- 2009)، تتوجس من قضية حقوق الملكية الفكرية. لذا، هي لا تنشر على «فايسبوك» قبل الطباعة. وتتوجس كذلك من مظهر آخر في النشر «الفايسبوكي»: «المشكلة الحقيقية في النشر على المدوّنات والـ«فايسبوك» هي الافتقار إلى النقد الحقيقي في معظم الأحيان والانغماس في المجاملات المتبادلة من دون قراءة حقيقية للنص وإبداء الرأي الصريح الذي يُفترض أن يسهم في تطوّر نصّ الشاعر. وهذا الأمر يعطي فرص الانتشار لأصحاب الموهبة كما لمدّعي الشعر بالتساوي». بعيداً عن هؤلاء، وفي ما يتعلق بالمواهب الحقيقية، تجد الشاعرة أن النشر الافتراضي «مهم لأنّه يتيح للموهوبين فرصة لا تتيحها- للأسف- دور النشر التي غالباً ما تطلب مبالغ باهظة مقابل نشر كتاب. أضف إلى ذلك أنّ الجمهور الذي يشتري الكتب الشعرية قد تقلّص كثيراً في السنوات الأخيرة، وغالباً ما يكون اهتمامه منحصراً بشراء كتب للشعراء الكبار والمكرّسين، وقلّما تجذبه الأسماء الجديدة» وتلك قضية أخرى (راجع الموضوع أدناه).
ولا بدّ هنا من وقفة عند رواية «رصاصة واحدة تكفي» التي يتناول فيها الجزائري رابح فيلالي عشرية الدم في الجزائر، أول رواية تنشر أخيراً على «فايسبوك» قبل أن تصدر عن «جمعية البيت للثقافة والفنون» الجزائرية، وتباع عبر الإنترنت. وعلى رغم اعتراف الكتّاب والشعراء بأهمية هذا الوسيط الذي يوفر الانتشار، إلا أنهم يتحفّظون عليه لجهة حقوق الملكية ومستوى النتاج الأدبي المنشور الذي يحمل لعنة مبطنة هي... الاستسهال.
في كل الحالات، يبدو أن النشر الافتراضي يظل ظاهرة سجالية، حتى بالنسبة إلى ممارسيه. إذ إنّ ملامحه متعددة، تتباين الآراء في تقويمها. هكذا، فإنّ القاصّ المصري الشاب محمد فاروق الذي يستعدّ اليوم لإطلاق مجموعته القصصية الأولى «سينما قصر النيل»، وجد في نشر مقاطع من روايته على «فايسبوك» قبل صدورها (دار ميريت- القاهرة) مردوداً نقدياً كبيراً. يقول: «أدى التفاعل مع القراء إلى تنمية وعيي بالكتابة، وتطوير مشروعي الإبداعي والتنبه لبعض المشاكل التي شابت القصص كالأسلوب والتطويل أو الإيقاع عموماً. هكذا، عزفت عن نشر بعض القصص التي لم أكن مقتنعاً تماماً بها، وأكدت تعليقات القراء هواجسي من نشرها».
في هذا السياق، يبدو النشر الافتراضي مكملاً لذلك الورقي، أو حتى خطوة تمهيدية له بالنسبة إلى المبتدئين. إذ يتيح لهم استشراف آراء القراء بالمادة الإبداعية، إضافة إلى أنه يسمح للكاتب بالحفاظ على علاقة عضوية مع نص يظل قابلاً للتعديل على عكس الحال مع النشر الورقي الذي يبقى، رغم ذلك، الوحيد الذي يمنح صاحب النص صفة كاتب.
هل تكمن المشكلة إذاً في الوسيط ذاته، أم في طريقة مقاربة الكاتب له ولعملية الإبداع؟ التأثير السلبي للنشر الإلكتروني لا يحصل إلا عندما «يستسلم الكاتب له، فيتساهل أو يغيّر عاداته في الكتابة» كما يؤكد محمد ربيع، الكاتب المصري الذي نشر على مدونته مقاطع من روايته «كوكب عنبر» قبل صدورها (دار الكتب خان للنشر- 2010) بهدف تشويق القارئ لقراءتها كاملة. عملية لا يزال عاجزاً عن تقويمها، رغم النجاح الذي حققته الرواية بعد إصدارها. «أظن أنّ أمامنا الكثير من الوقت قبل استبدال النشر الإلكتروني بالورقي. حتى اليوم، أرى أن النشر الإلكتروني بديل للنشر الورقي في حال الرقابة فقط»، يقول الروائي الشاب.
في وثائقي تناول حياة الشاعر والروائي الفلسطيني مريد البرغوثي (1944)، عرضته قناة «الجزيرة» منذ فترة، تحدّث الكاتب عن طقوس جديدة في الكتابة لحق بركابها، وهو المخضرم الذي لطالما اقتصرت عدّته الإبداعية لحظة الكتابة على قصاصة ورقية و... ريشة. ليس قلماً، بل ريشة. ريشة لم تكن نكهة الكتابة لتكتمل بالنسبة إليه إلا بعد أن يغمّسها بالمحبرة. رغم الطقس الشديد الخصوصية وذي الملمح المحافظ الذي رافقه لسنوات طويلة، يقتني البرغوثي اليوم حاسوباً. بنقرات عدة على لوحة المفاتيح، يكتب القصيدة. بنقرات أخرى، يكتب عنوانه البريدي وكلمة السر الخاصة به ليلج إلى صفحته على «فايسبوك». الكاتب والشاعر المخضرم الذي بحث في كتاباته- من منافيه المتعددة- عن الوطن، إلى أن وجده في «رأيت رام الله»، استغنى عن رائحة الورق والحبر وأصبح ينشر بعض كتاباته على صفحته على «فايسبوك» في محاولة شجاعة لمواكبة الطفرة التكنولوجية. طفرة نجحت في استقطاب الكتاب من مختلف الأجيال، بما قد يغيّر وجه النشر الأدبي على المدى البعيد، رغم التباين الواضح في تقويم مظاهرها من المستفيدين منها.

عن الأخبار اللبنانية

9‏/1‏/2011

جنكو بيلوبا/ يوهان غوته


ترجمة: أسماء عزايزة

ورقةُ الشجرة هذه،
القادمةُ من الشرق
إلى حديقتي،
تُخبئ لي وللراغبين بالمعرفةِ
سرَّاً.

أَهِيَ مخلوقٌ واحدٌ
شَطَرَ نفسَه إلى اثنين؟
أم اثنين اختارا أن يراهما العالمُ واحدًا؟

حتى أردَّ السؤالَ
وجدتُ إجابته الصحيحة:
ألم تلحظوا في أغانيَّ
أنني واحدٌ واثنان معًا؟

2‏/1‏/2011

طبّع... طبّع... فلا بدّ أن يعلق شيء!


نجوان درويش

نحاول العثور على فارق نوعي في أحداث 2010 في فلسطين المحتلة. ما الذي اختلف عن السنوات الخمس الماضية؟ هل نعيد الكلام ذاته عن الثقافة الرخوة المرافقة لحالة سياسية رخوة، مقابل أداء فعّال لـ«الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» PACBI؟
في بداية العام، أطلقت حركة «حماس» في غزة «رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين». بالمقابل، وفي ما بدا استحقاقاً فتحاوياً بعد المؤتمر السادس للحركة، اختير أعضاء الأمانة العامة لـ«الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين» بالتزكية، وبرعاية «مفوّض المؤسسات» في «فتح» ورئيس الاستخبارات الفلسطينية السابق! وعلى أثر ذلك، أصدر كتّاب فلسطينيون بياناً أعلنوا فيه أنّ الاتحاد لا يمثل الكتلة الأكبر من الكتّاب الفلسطينيين.
وفي أيار (مايو)، أقيمت «احتفالية فلسطين للأدب» في القدس المحتلة وعدد من المدن والبلدات الفلسطينية. وكرّمت الاحتفالية التي تشرف عليها المصرية البريطانية أهداف سويف، الشاعر طه محمد علي الذي تدهورت صحته في الأشهر الأخيرة. كذلك شهد العام حراكاً في مجال تعليم الكتابة الإبداعية من خلال «ورشة فلسطين للكتابة» و«ورشة القدس للكتابة» وورشة عكا. وشهدت رام الله ندوات شبابية منها ملتقى «لوز أخضر» الذي تنظّمه مجلّة «فلسطين الشباب» ولقاءات أخرى نظمتها مجموعة «نوافذ». وفي رام الله، أُعلنت «جائزة القطان» لـ«الفنان الشاب» و«الكاتب الشاب» في ظل حالة من عدم الاكتراث، إذ لم تنجح هذه الجوائز في انتزاع أي مكانة رغم جودة بعض الأسماء الشابة التي حصلت عليها، مثل الفائزة في مجال الشعر هذا العام أسماء عزايزة. أما الإصدارات الفلسطينية فقليلة، من بينها كتاب زكريا محمد «ذات النحيين: الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة». وفي الموسيقى، أصدرت سناء موسى «إشراق» وشادي زقطان «عن بلد».
وفي الصيف، افتُتحت في كفر ياسيف «مؤسسة محمود درويش للإبداع» (غير تلك التي تتخذ من رام الله مقراً لها) برعاية سلام فيّاض وبعض أعضاء الكنيست. وأثارت الاستياء دعوة شخصيات إسرائيلية لإلقاء كلمات في الافتتاح من بينهم عاموس عوز! وفي وقت أعلنت فيه السلطة مشروع «أريحا عشرة آلاف سنة من الحضارة»، بدت «الحضارة» أبرز الغيّاب عنه، إذا نظرنا إلى اللجان التقليدية القائمة عليه.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ أحداثاً ثقافية فلسطينية كثيرة يكون مسرحها خارج فلسطين. فقد جاء «مهرجان لندن العالمي للشعر» فلسطينياً بامتياز من حيث نسبة المشاركين والإضاءة على سؤال الحرية الذي تمثله فلسطين، أو أحداث مثل «حركات مستقبلية» المعرض الفلسطيني عن القدس في «بينالي ليفربول» وشارك فيه رؤوف الحاج يحيى وباسل عبّاس وآخرون، ومجموعة من المعارض الفلسطينية حول العالم لفنانين مثل ستيف سابيلا، وتيسير البطنيجي، وهاني زعرب، وإملي جاسر، ورُوان أبو رحمة، وشادي حبيب الله... فضلاً عن أنشطة غاليري «المحطة» في رام الله والمجموعات الفنية في غزة.
وأخيراً، حصد مؤتمر إسرائيلي مزعوم للأدب عقد في حيفا المحتلة بعنوان «كلمات خارج الحدود»، نسبةً عاليةً من الإدانة ودعوات المقاطعة. إذ حاول توريط مشاركين عرب من فلسطين ومصر والأردن. المؤتمر الذي كانت السفارة الفرنسية شريكاً فيه، يؤكد التصميم الفرنسي على أداء دور تطبيعي، وقد بات الإصرار عليه وصمةَ عار على العمل الثقافي الفرنسي في فلسطين، إلى درجة تردد دعوات إلى مقاطعة الأنشطة الثقافية للمؤسسات الفرنسية.
عجيب كيف يعيش المرء في حالة يستاء فيها من معظم أطرافها وحتى من نفسه. وكيف يمكن تقديم جردة أمينة لـ«أحداث» العام؟ كيف ننجو من هذا التقليد الصحافي في نهاية كل سنة؟
عن الأخبار اللبنانية
___________________
البوستر: فكرة وتصميم رازي نجار