"في "إذ قال يوسف"؛ يكتب ويخرج نزار زعبي قصة إنسانية لشخوص يعاصرون النكبة وتداعياتها الفردية والجمعية، ويزجّ نخبة من الممثلين الفلسطينيين في صلبها؛ من بينهم يوسف أبو وردة وتيريز سليمان * أبو وردة يتحدث عن عودته إلى المسرح العربي وعن "معضلات" المسرح العبري حين يحتاج "إلينا" * عن علاقتها المختلفة بالمسرح، من الغناء إلى التمثيل، لأول مرة، تتحدث سليمان *
//
* أبو وردة: "إن القضية الإنسانية التي تعرض إليها المسرحية هي ذاك البتر "المشوِّه لكل مكونات حياتنا الطبيعية، إنه الشرخ الذي سببته النكبة في علاقاتنا الطبيعية مع المحيط".
* سليمان: "أعتقد أنني أدرك حجم الطاقة التي يمنحني إياها المسرح من خلال الغناء. ولكنني الآن أمام تجربة تجعلني أشعر بهذه الطاقة أو السحر ولكن بطريقة مختلفة تمامًا".
//
//
* أبو وردة: "إن القضية الإنسانية التي تعرض إليها المسرحية هي ذاك البتر "المشوِّه لكل مكونات حياتنا الطبيعية، إنه الشرخ الذي سببته النكبة في علاقاتنا الطبيعية مع المحيط".
* سليمان: "أعتقد أنني أدرك حجم الطاقة التي يمنحني إياها المسرح من خلال الغناء. ولكنني الآن أمام تجربة تجعلني أشعر بهذه الطاقة أو السحر ولكن بطريقة مختلفة تمامًا".
//
يكتب نزار زعبي ويخرج شخصيات متعدّدة وذات أبعاد وسمات مختلفة تؤديها مجموعة من الممثلين هم؛ سلوى نقارة، عامر حليحل، علي سليمان، طاهر نجيب، سماء واكيم، بالإضافة إلى يوسف أبو وردة وتيريز سليمان. ويتحدّث يوسف عن الأدوار التي يؤديها، وعن خيط أو فكرة تربط مجموعة من الشخوص وهي، كما وصفها، "بتر لمكوناتنا الطبيعية"، "الملفت في العمل أنه يعرض إلى قطع المسار الطبيعي لعلاقاتنا الإنسانية، وهو قطع قاسٍ ولكنه مثير يجعلنا نتساءل؛ ماذا لو لم يحدث هذا؟ ثم إن هذا البتر المشوَّه لعلاقاتنا الطبيعية يأتي على أشكال عدّة؛ بين الأفراد وبين الفرد والطبيعة وما إلى ذلك. وتأتي علاقة الحب بين علي وندى مثالا على ذلك، فبسبب استشهاد علي، تُبتر علاقتهما وتعيش ندى مع أخيه المعاق يوسف (والذي أؤدي دوره)، فبالتالي الحياة التي يعيشانها ندى ويوسف هي غير طبيعية"، يقول أبو وردة. ويردف: "كذلك الأمر بالنسبة لعلاقة الإنسان مع الطبيعة المحيطة؛ أؤدي في المسرحية دور شخص تربطه بشجرة علاقة ما؛ لعلّها مكان آمن لأحلامه، ولكنها تتحول إلى كوابيس بمجرد أن يدرك فكرة أن الآخرين سيمارسون أحلامهم "تحتها" بدلا منه، فيقرر قلعها وزرعها في مكانه الجديد، إنه أيضًا تشويه وعبثية علاقة الفرد بطبيعته. تتطابق الفكرة في مشهد آخر يعرض إلى علاقة الأب بابنته، والتي تُشرخ بسبب قتل الأخ في معمعة الأحداث، يختلط الإحساس بالذنب بالرغبة في الرحيل أو البقاء في المكان. في نهاية المطاف، نرى الصراع الذي تولده أحداث النكبة بيننا وبين محيطنا بكل مكوناته، وحتى بين عناصر الطبيعة نفسها، هذه هي نظرة "يوسف" المعاق، نظرته العادية ولكن غير الخالية من الحكمة، والتي تجعله يرى الصراع متجسدًا في الطبيعة".
أما تيريز سليمان، فتؤدي دور شابة من قرية "بيسمون" والتي تهجر إثر أحداث النكبة آنذاك، وهي شابة تحلم بأن تصبح مغنية مشهورة وأن تتاح لها الفرصة للسفر، حيث ترى بعلاقتها مع "جندي بريطاني" حلا أو منفسا لذاك الحلم. كما وتؤدي دور امرأة من حيفا تشهد مقتل أخيها ونهش الكلاب لجثته، "إنه مكان مؤلم، موجع وبشع، وبعيد عني، على عكس الشخصية الأولى، تقول تيريز. وفي سؤال حول الطريقة التي تعاملت فيها سليمان مع هذه الأدوار متباينة الأبعاد، قالت: "إن جلّ جهدي بذلته على دور أخت القتيل، كنت فيه بحاجة إلى أن أبحث عن أكثر المناطق حلكة وحساسية فيّ، حتى أتمكن من التعامل معه على الخشبة بالشكل الأصح. وهذا ما لا أواجهه في الغناء، ولكنه تحدٍ كبير جعلني أدرك أن عالم التمثيل هو شاسع وقاسٍ يطلب من الممثل أن يكتشف في ذاته أكثر الأماكن خصوصية وحلكة، وأن من لا يقوى على ذلك فمكانه ليس في المسرح". وتضيف تيريز: "هذا هو الأمر الذي جعلني أشعر بالمسؤولية تجاه بقية الزملاء. فالأدوات والتقنيات التي أحتاجها من أجل شحن طاقات كبيرة لإتقان هذا الدور الصعب، قد تكون أسهل بكثير بالنسبة لممثلين محترفين ومتمرسين. ومن خلال هذا، أدركت أيضًا أننا عندما نشاهد مسرحية ما، نحن نشاهد أيضًا لحظات حساسة وصعبة يعيشها الممثل، وهي تستحق المشاهدة".
العناصر الأولية الدافعة
في سؤال حول الدوافع التي جعلت من تيريز سليمان "المغنية" تقدم على عمل مسرحي، هو تجربتها الأولى؛ "أظن بأن المسرحية، بجميع جوانبها، خاصة تركيبة الطاقم الفني والإداري، المهني برأيي، جعلني أندفع باتجاه العمل في هذه المسرحية دون تردد"، تقول تيريز. ولكنها تستدرك: "بقدر ما يمنحني هذا الطاقم طاقة، أظنها هي دافعي الأول، بقدر ما أشعر بالمقابل بمسؤولية كبيرة كوني "مجرّبة" وسط ممثلين محترفين؛ إنه الحرص على أن أثبت بأني جديرة بهذا المكان". بالنسبة لها، بدا العمل مثيرًا منذ اللحظة الأولى؛ مذ توجه إليها المخرج نزار أمير زعبي واقترح عليها المشاركة في المسرحية. "حتى قبل أن أقرأ نص المسرحية، كنت على ثقة بأني أقف أمام عمل مهني وجدير. فأعتقد أن نزار هو مخرج رائع يتعامل بحساسية عالية مع الأمور المطروحة؛ إذ يطرحها هنا من زوايا أخرى غير مألوفة لنا. لا شك بأن النص يلامس أماكن وتفاصيل صغيرة في شخصيتي، قبل أن يلمس القضية الكبيرة العامة؛ النكبة، إنها النكبة الشخصية لكلٍ منا"، تقول سليمان. كذلك الأمر بالنسبة ليوسف أبو وردة، الذي يعود إلى خشبة المسرح العربي بعد انقطاع طويل عنها. "قبلت المشاركة في هذا العمل لأسباب عدة، أولها أن النص كتب بشكل جميل، ثم إنه يروي قصة تهمني شخصيًا، وتدفعني إلى التفاعل معها بسلاسة. بالإضافة إلى أن النص هو إنتاج محلي؛ يتناول قضية تمت لكل شخص منا بصلة مباشرة. أما العناصر العاملة على المسرحية ساهمت كذلك في مشاركتي؛ الممثلين، المخرج والإدارة، طاقم تمنيت العمل معه في السابق، وها هي الفرصة قد سنحت". عند الخوض بجزئية انقطاع أبو وردة عن المسرح العربي سنين عدّة، يشير إلى عدم وجود الفرص المناسبة. وإن سنحت بعضها، تتزامن مع عمله في أماكن أخرى؛ فقد اقترحت عليه المشاركة في مسرحية "عطسة" والذي أنتجها شبر حر أيضً، ولكنها تزامنت مع عمله في فيلم "أمريكا". "ثم إن الأعمال التي عرضت عليّ بشكل عام، لم تكن ذات جاذبية كافية حتى أخوضها"، يضيف أبو وردة.
أبو وردة.. اللجوء القسري للمسرح العبري
سألت يوسف إن كان قد شعر بمسؤولية تجاه المسرح العربي الذي انقطع عنه، أجاب: "ليس على هذه "المسؤولية" أن تجرني إلى المشاركة في أعمال أنا غير راضٍ عنها. إن المسؤولية تكمن تجاه العمل نفسه، أن أكون راضٍ عن مستواه ومكوناته. وفي الواقع، لم أنقطع عن المسرح العربي بإرادتي، إذ لطالما تمنيت البقاء هناك، ولكن لا تتوفر فرص جذابة وجديرة، أما بالنسبة لـ"إذ قال يوسف"، فالعناصر الأولية التي تبنيه، تمنحني الثقة بأني أقف أمام عمل ذي جوانب مهنية". ويضيف شارحًا توجهات المسارح العبرية فيما يتعلق بالممثلين العرب: "إن عملنا في المسارح العبرية ما قبل الانتفاضة الثانية حمل نوعًا من الأمل وربما السذاجة، لكنه كان بحاجة إلى وجودنا "الوظائفي" والسياسي. وبعد أن هبطت موجة المسرح العبري، أخذ كل منا اتجاهًا مختلفًا وشرعنا بالمحاربة على مكاننا الطبيعي غير المحدود بالمعنى الوظائفي. ومن ثم توجهنا لإقامة مسرح عربي يلبي احتياجات الممثلين المحترفين. لم نحقق ما أردنا بالضبط، فهنالك فجوة بين الواقع والحلم، ولكنه أقيم". وهنا يشير يوسف إلى قضية "بتر العلاقات الطبيعية" آنفة الذكر، ويقول أن الحالة الطبيعية هي أن يعمل في المسرح العربي، وألا يحتاج إلى المسارح العبرية، ولكن الخيارات التي يتيحها الأول محدودة، على حد تعبيره. ويردف محدثًا عن الأعمال والمسلسلات العبرية التي انخرط بها: "عندما عملت في المسرح العربي، كنت أرفض الأعمال العبرية التي تعرض عليّ. ولكنني اليوم، بسبب محدودية المسرح العربي، أجد نفسي مضطرًا لقبولها رغم سخافتها أحيانًا، وذلك لأسباب في معظمها مادية". ويستدرك: "ولكن ذلك لا يجعلني أقبل كل الأعمال العبرية التي تعرض عليّ، فهنالك أيضًا انتقائية تفرضها حدود لا أقبل بكسرها أو تجاوزها". وعن هذه الحدود يشرح أبو وردة موقفه من أداء العرب لأدوار وظائفية لكونهم عربًا، فهو يرفض أن يؤدي دور العربي الذي يكتبه الإسرائيلي من وجهة نظره، ويفضل بالمقابل أن يؤدي دور الإسرائيلي، هذا إذا كان العمل بالأساس يناسبه ويناسب مواقفه. "ما أعنيه في نهاية المطاف، هو أن المشهد العبري، في المسرح أو التلفزيون، لم ولن يكون "المهرب الواسع والآمن" فهو أيضًا مشروط ومقيّد بسبب مبادئ أسير وفقها"، يقول يوسف.
أما فيما يخص وجوده في مجموعة "شبر حر" المسرحية، ورأيه حيال توجهاتها وسعيها لخلق مشهد مسرحي فلسطيني مختلف، يقول: "لا شك في وجود تجربة ملفتة، وأفق واضح للاستمرار فيها. أنا شخصيًا لم أدخل إلى هذا العمل بسبب استراتيجية طويلة الأمد أو مشروع بناء مسرحي، ولكني ببساطة أقول أنني على استعداد تام للعمل مع هذه المجموعة في كل ما تطرحه عليّ مستقبلا. فقد أحببت فكرة الانسلاخ عن فكرة المؤسسة، والتي بطبيعة الحال منوطة بقيود ومصالح وحاجيات، والذي يولد روح حرة ومبدعة". وعن عمله، هو صاحب الباع والخبرة الطويلة في مجال التمثيل، برفقة تيريز سليمان وسماء واكيم، بتجربتهما الأولى، يقول: "بغض النظر عن التجربة المسرحية، فإن لكل خصوصيته وهي ملحوظة. فإن ما تجلبه تيريز بصوتها وسماء بحركتها على المسرح هو كفيل بأن يملأ ما يسمى "النقص" في التجربة على المسرح".
سليمان.. تَقاطع التمثيل والغناء
تيريز سليمان، الفتاة الحيفاوية التي عرفت على خشبات المسارح من خلال "صوتها"، تخوض الآن تجربة لعلها مشابهة ببعض الأوجه، ولكنها مختلفة إلى حد كبير. وعن هذا التباين والتشابه، تقول: "لطالما وددت الخوض في تجربة مسرحية تدمج بين الغناء والتمثيل. وبالتزامن مع مسرحية "إذ قال يوسف" عرضت عليّ المشاركة في أعمال أخرى، ولكنني جزمت مشاركتي في هذا العمل بالتحديد بسبب اتفاقي مع جميع عناصره المختلفة؛ كالمخرج والنص وطاقم الممثلين الخ.. بالإضافة إلى أنني أشعر بأني أقف بين أيدٍ أمينة، أي أن لا شيئ سيدفع نزار زعبي إلى المغامرة في إشراك شخوص عديمي التجرب، وأنا على ثقة بقراراته واختياراته". أما عن نقاط التقاء الغناء بالتمثيل، فتقول سليمان: "أعتقد أنني أدرك حجم الطاقة التي يمنحني إياها المسرح من خلال الغناء. ولكنني الآن أمام تجربة تجعلني أشعر بهذه الطاقة أو السحر ولكن بطريقة مختلفة تمامًا، فكنت بحاجة إلى يد العون، وفي الأساس تلقيت المساعدة من نزار زعبي وعامر حليحل". وتضيف: "في الغناء يسهل التعامل مع الإنزلاقات أو المطبات أو اللحظات غير المتينة، ولكنني أجد التمثيل غير مرن تجاه مثل هذه اللحظات، هذه أحد الصعوبات التي تجعلني أكثر حذرًا في التمثيل، على عكس الغناء. ولكن لا شك بأن الأدوات التي أكتسبها الآن منه تساعدني على أداء الغناء، كالوقوف بحرية على المسرح، التعامل مع الجمهور، التعامل مع الأحاسيس الداخلية وكيفية إخراجها أو ضبطها". وتصف تيريز هذه التجربة بأنها من أهم التجارب التي خاضتها حتى الآن، على الصعيدين المهني والإنساني، "هنالك جوانب في شخصيتي أشعر بأنها تمر بنضوج ما. ولو خيّرت بأن أبذل مجهودًا مضاعفًا في سبيل أن أشارك في أعمال قادمة مع هذه المجموعة، لما ترددت. أما على الصعيد المهني، فقد أضاف لي الجانب الموسيقي في العمل الكثير، وذلك لأنه يعتمد في أساسه على مبدأ الارتجال، دون اللجوء إلى الآلات الموسيقية".
يذكر أن مجموعة "شبر حر" تنتج هذا العمل بالتعاون مع مسرح "يانغ فيك" البريطاني وبدعم من مؤسسة الأمير كلاوس وصندوق الثقافة العربي والمورد العربي. يكتبها ويخرجها نزار أمير زعبي، ترجمة: عامر حليحل، دراماتورغ: ديفيد لان المدير الفني لمسرح "يانغ فيك" في لندن، موسيقى المسرحية: الفنان حبيب شحادة، الديكور والملابس للمصمم البريطاني جون بوسير، الإضاءة: كولين غرينفيل، من مسرح "ينغ فيك". يدير الانتاج الفنان أشرف حنا، ويشرف على التسويق سامي زعبي. وسينطلق العرض الأول للمسرحية في الرابع والعشرين منالشهر الجاري على خشبة الميدان في حيفا، من بعدها يقوم الطاقم بجولة عروض في البلاد، وجولة أخرى في بريطانيا لعرض المسرحية باللغة الإنجليزية.
(الصورة بعدسة خلود طنوس)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق